في إصدار جديد يقدم الرحالة خالد العنقودي تجربة سفر أخرى، وهذه المرة يختار الهند ليروي بجانبا من عجائب الهند وغرائبها ليرويها في كتاب يحمل عنوان “المهراجا” صادر عن دار لبان للنشر، ويقدم العنقودي الإهداء إلى “إلى كل من شجعني ودفعني للعمل نحو نشر يومياتي وتنقلاتي بين ربوع مناطق الهند. ويشير المؤلف في كتابه الصادر عن دار لبان للنشر إلى أنه يضع في أولى اهتماماته في توثيق أسفاره “الغاية العلمية والعملية في المقام الأول، راغبا ومتطلعا في الوصول لها بعدما رأيت الكثير من إخواننا وأحبابنا حين يقررون السفر لا يعرفون شيئا عن البلاد التي يسافرون إليها إلا النزر اليسير، وفي أذهانهم أنهم إنما ذاهبون إلى إحدى الجنان الجميلة بعدما رآى ذلك في آخر رحلة له ظانا بأن الرحلة القادمة ستكون وفق ما تصورها في ذهنه إلى أن يتفاجأ بغير ذلك” منوها بأنه تجول في أمكان كثيرة بالقارة الهندية “وبالتحديد في الأحياء المستعمرة في مومبي بعدما باتت واقعة على الطريق وواضحة للعيان أثناء مروري يوميا بالمركبة على صفوف من المباني السكنية، وهي من الإرث المعماري الأصيل الممتد إلى ألف عام” مضيفا أنه ” في المقابل من ذلك يوجد في الهند مناطق أخرى أكثر ازدهارا كتلك الأبراج الزجاجية الممشوقة نحو السماء في شوارع ورلي وتارديو، بعد قيامي بجولة سريعة في بلد التناقضات بما فيها من صروح الهندسة المعمارية، والتي هي ماثلة للزائر إلى يومنا هذا”. يركز المؤلف خالد العنقودي في الفصل على الأول على مدينة بومبي، لتندرج تحت العنوان الأساسي مجموعة عناوين أخرى هي: بلد المتناقضات، بشر – عمران – ضجيج، بائعو الأرصفة، البسطاء، ناطحات السحاب، العادات والتقاليد، وفي الفصل الثاني “مومبي سنتر” ليكتب عن: شوباتي، بحر العشاق، صروح المباني، الإسلام، وسائل النقل، تشاتراباتي، بوابة الهند”، وفي الثالث عن ساحل الملبار، حيث: كوتشين، الطريق إلى وايكاد، البامبو، وفي الرابع عن كوزيكود، فهناك: كاليكت، الحياة الريفية، القطار، شيناي، وفي الفصل الخامس يروي جانبا من البنجاب، ضمن أربعة عناوين هي، شانديجار، منالي، شيملي، سكاندال بوينت. وفي خاتمة كتابه يشير المؤلف خالد العنقودي إلى أن “الهند واحدة من الدرر الغالية في هذا العالم وأكثرها حضارة بما تمتلكه من تلك الكنوز الفريدة في شتى أقاليمها بعاداتها وتقاليدها وأوديتها ولغاتها التي تقدر بـ (500) لغة من اللغات الحية وغيرها، إلى جانب ما تمتلكه من ثقافات مختلفة والمتمثلة في الملبوسات والمأكولات مما يمتاز به المطبخ الهندي عن باقي البلدان، مضيفا أن أسواقهم متنوعة، ” فسوق كل إقليم يختلف عن الآخر، وأكثرها تفردا إقليم راجستان بما تمتلكه أسواقها من مقتنيات لحضارات متعاقبة، هذه الأسواق تنتشر بها الجلبة والخصام الذي يرتفع بين الباعة والمشترين، فالسائح دائما ما يكون أحوج إلى التعرف على الأمكنة التي يقوم بزيارتها من حياة الشعوب وغيرها كي ينقلها إلى الآخرين بما فيها من مزايا وسمات”.
في بداية الكتاب يستعرض المؤلف جانبا من أدوات المتسلق مؤكدا أن هذه الهواية لها أدواتها الخاصة التي عادة ما تكون بحوزة مشاة الجبال. وقد قسم المؤلف الكتاب إلى أربعة فصول. في الفصل الأول تحدث المؤلف عن البداية حيث بدأ بتعريف مبسط للجبل الذي يعرفه بأنه عبارة عن تكوين من التكوينات الجيولوجية المغمورة في باطن الأرض، وهو يرتفع نسبيا عما يجاوره من مناطق محددة بالارتفاع، هذا التكوين الجيولوجي يتميز بقمم صخرية جبلية منها ما تكون حادة يصعب المشي عندها، ومنها ما تمتاز بسفوح شديدة الارتفاع، كما أن رؤوس بعضها تمتاز بعلوها المرتفع حيث يجد ماشي ومتسلق الجبل صعوبة في ارتقائها.
كما أن بعض المسارات تبدأ من مستوى السهل، حيث يبدأ الارتفاع من 300 إلى 500 قدم ويسمى ذلك (سهل)، كما أن تحديد نقطة ارتفاع أي جبل دائما ما يكون بعد 500 قدم إلى أقل من الألف ويسمى في ذلك بالمصطلح المتعارف عليه (تل).
ويوضح خالد العنقودي: «أما مسارات المشي التي نسلكها في الجبال منها ما هي سلسلة جبلية مترابطة كسلسلة جبال الحجر الشرقي وسلسلة جبال الحجر الغربي، كما أن الجبال الظاهرة للعيان على سطح الأرض هي بمثابة (ثلث) الجبل وما تبقى منه يكون منغرسا تحت سطح الأرض، وهو الأساس المتين الممسك بقاعدة الجبل الأصلية، وبذلك يكون (الثلثان) من الجبل.
ومن خلال تلك المسارات مررنا على كثير من الجبال منها ما غمرها البحر منذ مئات بل آلاف السنين بعدما ترسبت مواده في قاع البحر مكونة في ذلك طبقات متنوعة بسبب تراجع مياه البحر إلى اليابسة، ومنها ما هي حزمة مخروطية الشكل وبركانية نتيجة تداخلات صخور نارية، وهي على شكل قباب وعلى شكل أحزمة. وفي هذا الفصل نقرأ عن جغرافية عمان وحنين العودة وفتى الجبل.
جبال الحجر الغربي
وفي الفصل الثاني يأخذ المؤلف قارئه إلى جبال الحجر الغربي، وفي هذا السياق يقول المؤلف: «تتميز السلطنة بتضاريس متنوعة ومختلفة تتوزع في مختلف الولايات من واحات النخيل والأودية والأفلاج والعيون بغزارة مياهها المتباينة والتي تقبع في شقوق هذه الجبال الشاهقة، هذه المشاهد هي سلسلة جبال الحجر الغربي وما تختزله هذه السلسلة من مشاهد الطبيعة الجبلية ذات التنوع الإحيائي والتي تعانق قمم السفوح الجبلية وهي تقع عند أطراف منحدرات قمم هذه الجبال المحفوفة بالمخاطر».
ويستطرد خالد العنقودي قائلا: «هذه السلاسل الجبلية المترامية الأطراف شكلت جزءًا من تضاريس عمان والتي تمتد من جبال الحجر الشرقي والغربي مرورا بجبال محافظة ظفار كجبل سمحان وجبال القمر وانتهاء بجبال مسندم، حيث قامت بعض التجمعات والقرى الصغيرة في هذه الجبال بعدما كانوا يتنقلون بينها مشيا على الأقدام عندما لم تكن وسائل النقل تتوفر في ذلك الوقت.
كما أن هذه السلسلة باتت تحتضن كثيرا من المسارات الجبلية، والتي كان يسلكها الأجداد متنقلين بين القرى وهم من يربطهم نسيج اجتماعي فيما بينهم، حيث لم يكن للطرق في ذلك الوقت مكان فقد دأب الإنسان أن يبحث عن البديل عبر هذه المسارات الجبلية».
جبال الحجر الشرقي
في الفصل الثالث يتابع خالد العنقودي مغامراته الشيقة إلى جبال الحجر الشرقي التي يصفها بأنها كسلسلة الحديد في تناسقها وقوتها وإبداع صانعها فهي من أجمل الجبال، حيث بها كثير من المسارات الجبلية التي تفضي إلى كثير من المناطق التي كان يسلكها الأجداد قديما وسط تضاريس صعبة بعدما تغلبوا عليها أثناء تنقلاتهم بين القرى، عندما لم يكن لوسائل النقل أي وجود في ذلك الوقت. هذه السلسلة المترامية الأطراف التي تمتاز بها جبال الحجر الشرقي جذبت هواة المشي نحو البحث عن أغوار هذه المسارات الجبلية في ربوع عمان.
وفي الفصل الرابع يفتح المؤلف مذكرات المغامرات الفردية ومنها مغامرات الموت وحالاته في وادي الطائيين مستذكرا الكثير من التفاصيل التي لا تخلو من الدهشة والمتعة والخيال، يسردها المؤلف عبر كتابه الذي يقع في 221 صفحة من الحجم الصغير مدعما بالصور الخلابة التي تعكس جانبا من أجواء الرحلات التي قام بها المؤلف.
https://www.omandaily.om/المنوعات/كتاب-أوكسجين-الجبل-مغامر-يروي-رحلات
“ان الأمر بالنسبة لنا جيدا باعتبار أنّنا شبان في ريعان شبابنا ونحن نقوم بهذه الرحلة، وهي ليست بالرحلة العادية ولا سفرًا مألوفًا كما أسلفت، لكنها رحلة خطرة باهظة التكاليف، حيث إن شبح هلاكنا في مثل هذه الرحلات كان واردًا في أية لحظة ومتربصاً بنا؛ كوننا نخترق أراضي بلدان ليست بلداننا ولا عاداتها من عاداتنا وتقاليدنا، حيث لا نعلم عنها سوى الشيء اليسير من مواقع البحث الإلكتروني، وهي التي تطؤها أقدامنا ومركباتنا لأول مرة.
إنّ هذه المغامرات والأسفار هي بوابة من البوابات التي تمكن الفرد من أن يخرج من الروتين المألوف إلى عالم آخر مختلف، وهي تجربة مثيرة لا مثيل لها بعدما كان هاجس البحث العلمي نحو تقصي تاريخ الأجداد يلحّ علينا، ويكفينا فخرًا أننا مررنا على أمكنة بها طرقات لم تفتتح بعد، وقد سمح لنا بالعبور عليها. كل ذلك بعدما عايشنا هذه الطرقات بدروبها المطروقة ومجاهلها التي تنتظر منا أن نقوم بكشف أغوارها التي تحتضن تلك الكثبان بقفارها الرملية وتلالها الجبلية وواحاتها الجميلة وببرودتها الليلية بعدما تختفي شمس النهار عنها”
يمزج الشاعر العماني سيف الرحبي في كتابه "رحلة إلى جبال سراييفو" (دار العين)، بين النثر المتشح غالباً برداء الشعر، والشعر الخالص في متن جاء في 123 صفحة من القطع المتوسط، يندرج في باب أدب الرحلات، الذي سبق أن صدرت له أعمال عدة في نطاقه، منها مثلاً كتاب "صالة استقبال الضواري- رحلات وأسفار"، ومجموعة "الجبل الأخضر"، وخصوصاً في قصة عنوانها "تجليات النزهة الجبلية"، وقد كتبها بعد رحلة إلى صوفيا في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
وفي "رحلة إلى جبال سراييفو" تخيم أجواء تفشي وباء كورونا، كما تحضر أماكن موازية؛ خصوصاً في لبنان، وما يرتبط بها من ذكريات حميمية ومشاعر يغمرها الأسى على ما آل إليه حال أحد أجمل البلدان العربية... "أنظر إلى جبل سراييفو، متناسلاً إلى ذرى وجبال مكللة بالضباب متذكراً لبنان ومدنه المسورة بالجبال من الجهات كلها، ومثل لبنان: البوسنة، خارجة من حروب دينية وإثنية طاحنة بعد انفراط عصر الاتحاد اليوغوسلافي، لكنها تحلم بمستقبل واعد ومختلف كما تتجلى طلائعه في هذه الحيوية، وهذا الاستقرار"