دار صادر
ديوان ايليا ابي ماضي
5.200 ر.ع.
الشعر عاطفة تشوق إلى القصيّ غير المعروف فتجعله قريباً معروفاً، وفكرة تناجي الخفي غير المدرك فتحوله إلى شيء ظاهر مفهوم، أما الشاعر فهو مخلوق غريب ذو عين ثالثة معنوية ترى في الطبيعة ما لا تراه العيون، وأذن باطنية تسمع من همس الأيام والليالي ما لا تعيه الآذان؛ هو ذاك إيليا أبي ماضي كما وصفه جبران خليل جبران في تقديمه لأحد دواوينه.
كان ميدان أبي ماضي الشعري الإنسان بكل أبعاده وقيمه ومعانيه، روحاً وجسداً، فرداً وجماعة، وغايته تحرير هذا الإنسان من الأقذار والرذائل والسقوط، ورفعه إلى المراقبة التي تليق به كأرقى المخلوقات، ولذا توسل جميع الأغراض التي تفضي إلى هذه الغاية، وتناوله بدءاً من الصفات الفردية، مروراً بالتركيب الاجتماعي وصولاً إلى تحقيق المجتمع المثالي الذي يسوده العدل والمساواة.
تناول الفرد قيمة ومعنىً، حياةً وموتاً، جسداً وردماً، جوهراً كامناً وشروراً ظاهرة، تحدث عن الإنسان فيما هو كائن، وفيما يجب أن يكون، خاطب فيه عقله، ونبهه إلى مجمل قضايا ومتناقضات قد يكون غافلاً عنها وفيها تكمن حياته وسعادته؛ نبهه إلى الخير والمحبة، إلى العلم والعمل، إلى التواضع والحكمة، إلى الشجاعة والأمل، علمه أن النفس أرقى واسما من الجسد، فالجسد ترب ونهايته إلى التراب.
وتناول المجتمع وما فيه من مشاكل اقتصادية وفكرية وسياسية، ودلّ على أن الأسباب نابعة من الانقياد للشر والابتعاد عن الخير، وأنه لا بد من وقفة تأمل لمحاسبة الذات، وهو إلى هذا وكما قال عنه جورج صيدح: “المحبة الإنسانية هي روح تعاليمه: علمنا التفكير في مصدر الحياة ونهايتها، وفي أسرار الموت وما وراءه، كما علمنا القناعة بأن لا تدري حيث لا سيل إلى الدراية… علمنا أن نفتح قلوبنا إلى الحياة، ونأخذ أجمل ما فيها، ونمرّ مرور الكرام على شرورها وآلامها وأحاجيها…علمنا أن نقدس الحرية ونمجد الوتر الذي يخلّد الشاعر بعد ما يتلاشى ذكر السلطان الجائر… علمنا الاندماج في الطبيعة حيث الشعور يندى والرخاء يخضوضر، حيث طهارة الجو تنتقل إلى الأرواح، وبشاشة الأرض تقشع الكآبة عن الصدور.
لن نستطيع الوصول من خلال الكلمات إلى ما يفي الشاعر إيليا أبي ماضي حقه ولقراءة في ديوانه هذا خير وسيلة إلى معرفته وقبلاً إلى الاستمتاع بذاك الفيض الشعري الفلسفي الوجداني الذي تظل موسيقاه ومعانيه تتردد في النفس والوجدان على الإطلاق
غير متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.